أبو الفداء بن مسعود وزعمه أن إثبات فعل اختياري لله تشبيه!

محمد عثمان

جاء في رسالة كتبها المعني حديثا بعنوان: تمام المنة ببيان الأصول المنهجية الكبرى التي خالف فيها الحدادية أهل السنة: عندهم أصل بدعي كبير وهو الغلو في الإثبات في باب الصفات إلى حد قبول روايات قد أجمع أهل السنة على تركها واستنكارها يثبتون منها معان فيها النقص الجلي في حقه تعالى ما لا يعقلونه كإثبات ابن شمس الاستلقاء لله تعالى بناء على أثر إسرائيلي متنه منكر وهو ما به صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه..1

إذن نفهم من تقرير أبي الفداء:

  1. الأثر مجمع على تركه
  2. فيه نقص جلي
  3. تشبيه لله تعالى بخلقه

في كونه تشبيها ونقصا:

لنعرض الأثر أولا: جاء في إثبات الحد لله وأنه قاعد وجالس على عرشه للدشتي والسنة لعبد الله بن أحمد عن قتادة بن النعمان عن النبي صلى عليه وسلم:

إن الله لما فرغ من خلقه استوى على عرشه، واستلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: إنها لا تصلح لبشر.2

هناك قاعدة عند أهل السنة تقول القول في في الصفات كالقول في الذات :

“إنما التشبيه أن يقول: يد كيد أو وجه كوجه. فأما إثبات يد ليست كالأيدي، ووجه ليس كالوجوه، فهو كإثبات ذات ليست كالذوات، وحياة ليست كغيرها من الحياة، وسمع وبصر ليس كالأسماع والأبصار”3

أحمد بن حنبل

ومنكر الصفة كمنكر الذات، فكفره كفر جحود لا غير. 4

أبو نصر السجزي

إذن لم يجعل أهل السنة فرقا بين من أنكر صفة وصفة لنفس العلة بحكم اشتراك الصفتين بنفس اللوازم وقالوا أن ما يلزم من إثبات هذه يلزم في تلك وما ينفى في هذه ينفى في تلك. يقول ابن تيمية شارحا لذلك في الرسالة التدمرية:

“كل واحد من النفاة لِما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصفات، لا ينفي شيئًا – فرارًا مما هو محذور – إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فرّ منه، فلا بدّ له في آخر الأمر من أن يثبت موجودًا واجبًا قديمًا متصفًا بصفات تميزه عن غيره، ولا يكون فيها مماثلا لخلقه، فيقال له: وهكذا القول في جمع الصفات، وكل ما نثبته من الأسماء والصفات فلا بدّ أن يدل على قدر مشترك تتواطأ فيه المسمّيات، ولولا ذلك لما فُهم الخطاب، ولكن نعلم أن ما اختص الله به، وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال. وهذا يتبين بالأصل الثاني – وهو أن يقال:

القول في الصفات كالقول في الذات، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات.”5

أي أن النافي للصفات الذاتية والأفعال الاختيارية مثل الجلوس والاستلقاء هربا من تشبيه الله بخلقه يقع فيها من حيث إثباته للحياة والعلم والقدرة وكل هذه معاني مشتركة عند البشر والبشر قد يعلمون علما غير مطابق للواقع وتكون صفة العلم في حقهم من هذا الوجه نقصا وقد يستلقي الله لغير تعب ولا يكون هذا في حقه نقصا كما جلس على العرش دون حاجة للعرش.

إذن إثبات الصفة على الوجه الذي أثبتت به الصفات الأخرى لا يعد تشبيها والقياس مطرد في الاستلقاء لأنه أقرب ما يكون للجلوس فإن كان الاستلقاء مستلزما للنقص فالجلوس كذلك ولكن ما معنى ذكر الجلوس؟ لأنه هو نفسه الاستواء جاء في السنة لعبدالله بن أحمد:

”ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻲ-ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ-، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ، ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ:”ﺇﺫا ﺟﻠﺲ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﺳﻲ ﺳﻤﻊ ﻟﻪ ﺃﻃﻴﻂ ﻛﺃﻃﻴﻂ اﻟﺮﺣﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ”.6

مأثور عن عمر ويحمل حكم المرفوع

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ، يَقُولُ: ” الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ، وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنّ َ لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، ثُمَّ تَلَا {طه} [طه: 1] {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ إِلَّا بِجُلُوسٍ”7

خارجة بن مصعب

إذن قد ورد عن الله في القرآن فعل اختياري يفعله المخلوق لتعب أو لغير تعب فإذا أثبت أن الله جلس تعبا على العرش كان نقصا وإلا فلا نقص لازم وكذلك في الاستلقاء فإن استلقى تعبا كان نقصا ولا نقص في الفعل لذاته كما زعم.

وأما من حيث المشابهة فالمخلوق يستلقي ولكنه يجلس أيضا فإن صح اشتراك معنوي في الجلوس لا يلزم منه نقص فيمكن أن يصح في الاستلقاء دون أن يلزم منه نقص فما وجه التفريق؟

وإن اعترض بلزومية زوال العلو عند الاستلقاء فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم متواترا عن 23 صحابيا أن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فكيف أثبتنا النزول دون لزومية زوال العلو وهو أولى بالزوال فيه من أن يستلقي في مكانه؟

إذن فمن الصحيح أن يقال:

يستلقى إذا شاء استلقاء يليق بجلاله كيفما أراد لا كما يستلقى المخلوق.

وأبعد ما كنت أتوقع أن يكون أبو الفداء اعترض على هذا تأثرا بتشنيعات أئمته الأشعرية في إنكارهم الأثر لمعرفتي بطريقة الرجل وسلوكه مسلك ابن تيمية في الحكم على المقالات ولكن انظروا له يردد كلام الجهمية ويقول:

“كإثبات ابن شمس الاستلقاء لله تعالى بناء على أثر إسرائيلي متنه منكر وهو ما به صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه”.

أبو الفداء بن مسعود

ولا أحسن مما يرد على هذه الدعوى السخيفة إلا بما رده ابن القيم على سلف هذا الرجل، جاء في الصواعق المرسلة حاكيا عن درجات الجهمية في رد الوحي:

“أما الأولى فاستعملوها في الأحاديث المخالفة لأقوالهم وقواعدهم ونسبوا رواتها إلى الكذب والغلط والخطأ في السمع واعتقاد أن كثيرا منها من كلام الكفار والمشركين كان النبي يحكيه عنهم فربما أدركه الواحد في أثناء كلامه بعد تصديره بالحكاية فيسمع المحكي فيعتقده قائلا له لا حاكيا فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله بعضهم في حديث قتادة بن النعمان في الاستلقاء قال:

يحتمل أن يكون النبي حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق الإنكار عليهم فلم يفهم عنه قتادة بن النعمان إنكاره فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعضد هذا الاحتمال بما رواه من حديث ابن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام سمع رجلا يحدث حدثنا عن النبي فاستمع الزبير له حتى إذا قضى الرجل حديثه قال له الزبير أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال له الرجل نعم قال هذا وأشباهه مما يمنعنا أن نتحدث عن النبي قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ هذا الحديث فحدثنا عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه فجئت أنت يومئذ بعد أن قضى صدر الحديث وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فلهذا الاحتمال تركنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله عز وجل.

فتأمل ما في هذا الوجه من الأمر العظيم أن يشتبه على أعلم الناس بالله وصفاته وكلامه وكلام رسوله كلام الرسول الحق الذي قاله مدحا وثناء على الله بكلام الكفار المشركين الذي هو تنقص وعيب فلا تميز بين هذا وهذا ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يكون من كلام ذلك المشرك الكافر فأي نسبة جهل واستجهال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا أنه لا يميز أحدهم بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الكفار والمشركين ويميز بينهما أفراخ الجهمية والمعطلة وكيف يستجيز من للصحابة في قلبه وقار وحرمة أن ينسب إليهم مثل ذلك

ويا لله العجب هل بلغ بهم الجهل المفرط إلى أن لا يفرقوا بين الكلام الذي يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن المشركين والكفار والذي يقوله حاكيا له عن جبريل عن رب العالمين ولا بين الوصف بما هو مدح وثناء وتمجيد لله ووصفه بما هو ضد ذلك فتأمل جناية هذه المعرفة على النصوص ومن تأمل أحاديث الصفات وطرقها وتعدد مخارجها ومن رواها من الصحابة علم بالضرورة بطلان هذا الاحتمال وأنه من أبين الكذب والمحال فوالله لو قاله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند نفسه لكان أولى بقبوله واعتقاده من قول الجهمي المعطل النافي فكيف إذا نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

والمقصود أن هذه الدرجات الثلاث قد وضعت الجهمية أرجلهم فيها فهذه درجة منه كون الرسول قاله وأكدوا أمر هذه الدرجة بأن أخبار الآحاد يتطرق إليها الكذب.”8

وابو الفداء على خطى من رد هذا وزعم أن السلف والصحابة لا يفرقون بين ما يصلح لوصف الله وبين افتراءات أهل الكتاب على الله ومن سبق أبا الفداء لرده الحديث بهذا؟

نجد كلامه عند السقاف:

“هذا حديث موضوع بهذا السياق والنبي ( ص ) لم يعلم أمته ذلك إنما قص على الصحابة ما قص عليه يهودي مجسم يقول باستلقاء الله على العرش للاستراحة ، وقد رد الله ذلك في كتابه إذ قال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } . والحديث نسبه المجسمة إلى النبي ( ص ) على أنه من كلامه وتعاليمه وحاشاه من ذلك حاشاه ، والحديث رواه عبد الله بن أحمد كتاب السنة وقد حذفه الطابعون من الكتاب لاستشناعه واستفظاعه”9

حسن السقاف

لاحظ أن السقاف أرفق التعب بالصفة زيادة ليجعلها نقصا وزعم أنه كلام اليهود الباطل كما زعم أبو الفداء وتنازل عن دينه استشناعا لما استشنعه الجهمي الذي يأز في رأسه ويا ليته لم يلحق ركب المتنازلين ولم يستشكل ما ورد في صفات الله لتشنيع الجهمية به عليه وتلبيسهم فيه واعتبر وصية الإمام أحمد حين قال:

لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته، لشناعة شنعت، وإن نبت عن الأسماع. 10

أحمد بن حنبل

الإجماع على استنكار الحديث

وقد زعم كاذبا أن أهل السنة أجمعوا على استنكار هذا الحديث ورده فأين هذا الإجماع؟ وهل تقوم عليه بينة؟ أم أن الأمر اختلط فصار أهل السنة هم الأشاعرة؟ فإن قصد إجماع أولئك فهو محق.

قد روى الحديث:

  • عبدالله بن أحمد في السنة محتجا به
  • ورواه الدشتي في إثبات الحد محتجا به11
  • ورواه الخلال في السنة محتجا به12
  • ورواه عبد المغيث الحنبلي وذكر ذلك الذهبي مخطئا له في السير وأورده الذهبي مقطوعا في العلو محتجا بجزء منه ص63 رغم استنكاره للمتن في السير13
  • وأورده ابن القيم كما سبق ورواه في أول مجلد بنفس الصيغة المقطوعة عند الذهبي وهو حديث واحد بنفس السند وكلامه اللاحق دلالة عدم استنكار جلية.14
  • ورواه الفراء في إبطال التأويلات قائلا:
    • اعلم أن هذا الخبر يفيد أشياء منها: جواز إطلاق الإستلقاء عليه، لا على وجه الاستراحة، بل على صفة لا تعقل معناها، وأن له رجلين كما له يَدَان وأنه يضع إحداهما على الأخرى على صفةٍ لا نعقلها، إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته، لأنا لا نصف ذلك بصفات المخلوقين؛ بل نُطلق ذلك كما أطلقنا صفة الوجه واليدين، وخلق آدم بها، والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان، وكذلك إثبات الوجه لا على الصفة التي هي معهودة في الشاهد، وكذلك العين.15

والشاهد قوله نُطلق ذلك كما أطلقنا صفة الوجه واليدين على قاعدة القول في الصفات كالقول في الذات. وقول أبي يعلى “بصفة لا تعقل” مشكل وليس هذا محل البحث.

مخطوط أبي موسى المديني

ورواه أبو موسى المديني وهذا نقل من مخطوط روى حديث الاستلقاء بسنده ثم قال:

  • رواه ابن الأصفر عن إبراهيم عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة،
  • ورواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة
  • ورواه عن قتادة أيضاً سوى عبيد بن حنين و أبي الحُبَابِ وبُسْرِ بن سعيدٍ: عبيدالله بن عبدالله بن عتبة
  • ورواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصَّغاني ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سلمان النوفلي، وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم وحدث به من الحفاظ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم و أبو القاسم الطبراني وأورده أبو عبد الله بن مندة وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
  • وروي عن شداد بن أوس أيضاً مرفوعاً.
  • وروي عن عبد الله بن عباس، وكعب بن عجرة موقوفاً، وعن كعب الأحبار أيضاً.
  • وروي عن عبدالله بن مسعود في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} هذا المعنى.
  • ورواةُ هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح وذلك كله بعد قوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}[النحل: ١٧] إنما يوافق الاسم الاسم، ولا يشبه الصفة الصفة.16

فأين الإجماع المزعوم على استنكار المتن؟

يبدع هذا الرجل الناس باجماعات لا يعلمها أحد غيره ويضع منهجا للسنة لا ينتهجه إلا هو فيخالف الأصول ويرفض أخبار ويثبت أخرى فيها نفس ما اعترض عليه ويزعم أن مخالفه فيها ابتدع أقوالا لم يعرفها أحد في التاريخ واستحق النار على ذلك! كما في مقدمة رسالته وهو يلزمه نفي الاستواء لكونه استلزم النقص في الفعل الاختياري ويلزمه جعل أئمة السلف والخلف ممن تناقل وأقرهذه الأقاويل من أهل النار وصدق ابن تيمية في قوله:

“كل واحد من النفاة لِما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الصفات، لا ينفي شيئًا – فرارًا مما هو محذور – إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فرّ منه”

تعقيبا على ما ذكره في الرد على هذا المقال ودعوى التشبيه

خرج أبو الفداء برد هزيل يتنصل مما قاله، في محاولة لإثبات أنه لم يقل ما قاله موافقة لأصول الجهمية، ولكن هذا النوع من الجدل ينفع حين لا تُحفظ الردود، فيشاغب المناظر بما يمكن أن يكون قد نسي دقيق لفظه ولكن أن تكذب هكذا ورسالتك منشورة لم تعدل بعد، فهذه صلافة عين لا نظير لها،

يقول:

“يحتج علي الكاتب بنقل نقله شيخه آل حمدان من كتاب الصواعق المرسلة، حيث احتج ابن القيم على من رد الحديث بدعوى أن الصحابي لعله أخطأ فظن النبي عليه السلام يحدث بكلامه هو، مع أنه يحدث عن بني إسرائيل!! ليس هو ردا منه رحمه الله على من ينكر الصفة لفساد معناها، وإنما هو رد على من سلك تلك الطريقة الفاسدة في رد الحديث، بصرف النظر هل الصفة نفسها تثبت أم لا تثبت! لكنه يلحقني بالجهمية المردود عليهم بهذا الموضع من كلام ابن القيم لمجرد أن قلت إن الحديث منكر، وأن إثبات ذلك المعنى فيه تشبيه!”

ثم أورد النص الذي نقلت مقتطعا وقال: “فهل هذا الكلام متوجه إلى كل من لم يثبت الصفة، ويستنكر الحديث؟؟ أبدا! ولا يجرؤ على ادعاء ذلك! وإنما هو متوجه إلى من أسقطوا الحديث بهذه الطريقة البدعية لأنهم يستنكرون معناه!”

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

أنا لا أدري إن نقله الشيخ عادل آل حمدان ولم أدرس عنده ولكن أتشرف أن أفعل ذلك، ثم إنك ممن رد النص بالطريقة البدعية والتترس خلف الرجال لن ينفعك فكلامك محفوظ فقد جاء في نص ابن القيم في قول الجهمي الذي وافقته عن حديث الاستلقاء تحديدا:

“يحتمل أن يكون النبي حدث به عن بعض أهل الكتاب على طريق الإنكار عليهم فلم يفهم عنه قتادة بن النعمان إنكاره فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعضد هذا الاحتمال بما رواه من حديث ابن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام سمع رجلا يحدث حدثنا عن النبي فاستمع الزبير له حتى إذا قضى الرجل حديثه قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال له الرجل: نعم، قال هذا وأشباهه مما يمنعنا أن نتحدث عن النبي قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ هذا الحديث فحدثنا عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه فجئت أنت يومئذ بعد أن قضى صدر الحديث وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فلهذا الاحتمال تركنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله عز وجل.”

وأنت قلت: “بناء على أثر إسرائيلي متنه منكر وهو ما به صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه“.

وقولك أنه من كلام بني اسرائيل بدون بينة لعلة نكارة متنه المزعومة هو بعينه قول الجهمي أن الرسول لعله كان يحكيه عن بني اسرائيل ولم يفرق الراوي ولم يسمع أول السياق فأنت من جملة رامين أصحاب رسول الله والسلف بهذه التهمة الفاشية بين أمثالك وقولك: “أثر إسرائيلي متنه منكر” خير دليل على ذلك وليس النقاش في أن من رده ممن سبق من الأئمة وافق هذا الوصف بل في أنك أنت وافقت هذا الوصف فكفاك تترسا بالرجال والتزم مقالك.

ثم زعمت أن محمد بن فليح تلقاه عن اليهود والنصارى لتهرب من إلحاقك بالجهمي الذي قلدت فأين الدليل على ذلك؟ وحاولت مناقشة السند وأن فيه إشكال ولكنك تتناسى أن اعتراضك لم يكن على السند أصلا فقد قلت: “فمتنه منكر وهو ما به صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه” .

إذن نصل لنتيجتين:

  1. المتن منكر بغض النظر عن السند
  2. من أثبت المتن مشبه لله مثبت للنقص عليه بدليل قولك:

“معان فيها النقص الجلي في حقه تعالى ما لا يعقلونه كإثبات ابن شمس الاستلقاء لله “.

أبو الفداء يعيب فعل الله

ثم من خذلان الله لهذا الرجل أنه ينفي ما يأتي في خضم كلامه حيث قال:

“العجيب أن آل حمدان نفسه في تعليقه على الحديث في كتاب الدشتي، صدّر لكلامه بقوله إن أهل العلم قد اختلفوا في الحكم على الحديث، ثم ذكر من صححه، ولم يبال بذكر من ضعفوه، وكأنهم عنده جهمية معطلة كلهم”.

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

الآن يا أبا الفداء صار هناك من صحح الحديث؟ ألم تزعم أن “عندهم أصل بدعي كبير وهو الغلو في الإثبات في باب الصفات إلى حد قبول روايات قد أجمع أهل السنة على تركها واستنكارها” فكيف انتقلنا من الإجماع على ترك الرواية إلى أن هناك أهل علم صححوا وأهل علم ضعفوا؟

وللتذكير لأنك سريع النسيان فقولك “لم يبال بذكر من ضعفوه، وكأنهم عنده جهمية معطلة كلهم” يعني أن عدم مبالاتك بمن صححه في دعواك الكاذبة في الإجماع أنك تجعل كل من صححه “صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه“! .

فيكف تترس بالأئمة وأنت أول طاعن بهم إذا خالفوا تضعيفك؟

ثم زعم كاذبا:

“لم يحتج به في إثبات ذلك المعنى إلا الدشتي”

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

ولعل هذا لشدة نسيانه فقد كنت في منتدى التوحيد لما تناقش الملحدين تضع في توقيعك كتاب السنة لعبدالله من الكتب التي تستنكر ما فيها الآن ومن الكتب التي احتجت بالمعنى! يعني أن عبدالله بن أحمد يحتج به فهل ستخرج مقرا لنا بذلك كأنك لم تزعم خلافه هذه المرة أيضا؟

وماذا عن رواية الخلال له؟ واحتجاج أبي يعلى وإثباته لمعنى لا يستلزم التشبيه بالنسبة له من الأثر؟ وماذا عن عبدالمغيث الحنبلي والمديني وماذا عن استنكار ابن القيم لمن رده بمثل حجتك وعد استشكاله المعنى بل زعمه أن من ظن فيه النقص ممن يظن عدم تفريق أصحاب رسول الله بين النقص في حق الله والثناء؟

أنت تدعي دعاوى أكبر منك يكذبها الشاهد.

واحتججت بمخالفة محمد شمس الدين للعدوي الذي يجله الذي قال: “لا يدري” ما الحكم في الصفة هذه، وأنت تجل الألباني الذي قلت عن عادل آل حمدان “وفي كلامه تغليط للألباني رحمه الله لا يتسع المقام للرد عليه” وأنت ممن عارض وخطأ وغلظ على الألباني في مسألة تسلسل الحوادث وأنت تجله.

ثم قلت:

“فهل الدشتي من أئمة السلف عندكم؟ الإمام مات في القرن السابع الهجري رحمه الله!”

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

ولكنك في كلامك لم تزعم أن السلف لم يثبتوه فعبدالله بن أحمد الذي تتحاشى ذكره موجود، لكن دعني أعالج لك الخرف بالتذكير، أنت قلت: “قبول روايات قد أجمع أهل السنة على تركها واستنكارها” هذا إجماع من قاطبتهم؟ ثم علام الترحم على الرجل؟ ألم يثبت معنى فيه النقص الجلي لله والتشبيه بقولك: “وهو ما به صاروا مشبهة لله تعالى بخلقه“.

ألا يكون الدشتي مشبها قائلا “لأقوال محدثة لم يعرفها العلماء واستحقوا بها أن يكونوا من جملة الفرق الضالة الداخلة في قوله عليه الصلاة والسلام “كلها في النار“؟!

ثم قلت متناسيا أو ناسيا: “صاحب المقال يقول: صححه الدشتي محتجا به! ونقول فكان ماذا؟ ألا يرد أن يكون ممن أخطأوا في هذا؟؟” ولكن المسألة ليست في كونه أخطا أم أصاب بل هي في تكذيب زعمك: “قد أجمع أهل السنة على تركها واستنكارها”.

ثم قلت:

“وعلى ذكر كلام عادل آل حمدان في الكتاب المذكور، وهو مرجع صاحب المقال في الرد عليه كما مر” لم أقرأه ولا أعرف ما قال كان ردي نتيجة قراءتي خرف بعيد عني، محاولاتك لإبهار ربيع المدخلي باستنقاص عادل لا دخل لي بها.

ثم قولك

“الرجل ينقل كلام ابن تيمية يريد إلزامي منه بما ألزم به ابن تيمية رحمه الله الجهمية في اعتراضهم على صفة من الصفات، وكأني على طريقتهم! والعجيب أنه يستغرب ذلك مني جدا، لأني بحسب عبارته، أمشي على طريقة ابن تيمية في تقرير هذه المسائل! فهلا كلفت نفسك يا أخانا، أن تسألني لماذا قلت ما قلت وما توجيهي فيه”

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

طلب وقح بالنظر لفجورك وهل يسأل الفاجر علام فجر؟

فـ:

لدغُ العقاربِ لم يكُن لِعداوةٍ
لكن لخبثٍ تقتضيهِ طِباعُها

أنت من ابتدأ بجعل من أثبت هذه المعاني مستحقا لأن يكون من أهل النار مخالفا للسلف آخذا عن اليهود والنصارى ثم نراك سالكا درب متجهمتهم في رد المعاني السليمة.

فقد زعمت على طريقتهم أن الاستلقاء لا يكون إلا لنقص محتجا بقوله تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) وأين مطلق النقص المثبت في الآية أم أنك تحسب مجرد ذكر الالقاء تنقصا؟

أنت تختزل المعاني في ما تحب اختزاله كما يختزل النصارى الاستلقاء بالتعب واختزله السقاف والأشعرية قبلك وليس أنك تختزله في عين التعب وقولك: الاستلقاء اللفظ فيه راجع لغة إلى هيئة النائم، الذي يلقي رأسه حيث يضع قدميه” هل يفهم منه أنه لا استلقاء يكون فيه الرأس أعلى من القدم؟ ولا أن وضع المستلقي يديه تحت رأسه ولا إن استلقى بشكل غير تام؟ الاعتراض هذا من جنس اعتراض الجهمية لعنهم الله أن الجلوس لمن عنده “مقعد” فقط تحفظا على اللفظ تعالى الله عما يقولون.

ما الذي يمنع اختزال معنى الجلوس كما اختزلت معنى الاستلقاء أصلا؟ هل من مانع تمنع به القياس أم هو التشهي والمجادلة بالكلام المذموم على طريقة أهل الكلام؟ حيث تكيف الصفة ثم تنفي الكيف الذي كيفته نفيا للتشبيه فتصير مشبها ثم تؤول معطلا.

تهريجات

قال مهرجا من باب خدوهم بالصوت لا يغلبوكم:

“إذا كان الإستلقاء أقرب ما يكون للجلوس في الهيئة فالرقص أقرب ما يكون للضحك

رد أبي الفداء على صفحة إقناع

فلو قدرنا نسبة الرقص بأثر لله لكان على منطقه قياسا مطردا من حيث مشابهته للضحك. وهذه من التخريفات الكوميدية فإنه لم يعد كباقي العقلاء يفرق بين الكلام والصوت وفعل الأركان.

“ما عارَضَ أحدٌ الوحيَ بعقلهِ ؛ إلا أَفسَدَ اللهُ عليهِ عقلَهُ ، حتى يقول ما يضحكُ منهُ العُقلاء”

ابن القيم 17

المصادر

  1. تمام المنة ببيان الأصول المنهجية الكبرى التي خالف فيها الحدادية أهل السنة، ابي الفداء بن مسعود، ص11 ↩︎
  2. محمود بن أبي القاسم الدشتي، تحقيق مسلط بن بندر العتيبي وعادل آل حمدان، 1436ه‍، صفحة 247، السنة لعبدالله بن أحمد من نفس المحقق ↩︎
  3. الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم ج 1 230. ↩︎
  4. رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 153. ↩︎
  5. التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، أحمد بن تيمية، تحقيق: محمد بن عودة السعوي، ص 42-34 ↩︎
  6. السنة لعبد الله بن أحمد، ت. القحطاني، ج1، ص301 ↩︎
  7. نفس المصدر رقم 6: ج1، ص105 ↩︎
  8. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ابن قيم الجوزية، ج4، ص 1530-1527 ↩︎
  9. فتح المعين في هامش ص 21/23 ، ط1 مكتبة الإمام النووي ↩︎
  10. اجتماع الجيوش الاسلامية، ابن قيم الجوزية، ج1، ص200 ↩︎
  11. نفس المصدر رقم: 2 ↩︎
  12. السنة للخلال، ت. الالباني، ص248 ↩︎
  13. سير أعلام النبلاء، محمد عثمان الذهبي، ط. الرسالة، ج21 ص160 ↩︎
  14. الصواعق المرسلة، ط. العلمية، ابن قيم الجوزية، ج1، ص54 ↩︎
  15. إبطال التأويلات لأخبار الصفات،أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء، ت.محمد بن حمد الحمود النجدي، ص 227 ↩︎
  16. 3 ورقات من مخطوط معنون ب: الكلام عن حديث الاستلقاء لأبي موسى المديني ↩︎
  17. الصواعق المرسلة ٣/١٠٠٢ ↩︎

مقالات مشابهة