كتب محمد براء ياسين رسالة سماها (البراءة من فكر عبدالله الخليفي)، دلس فيها بنقولات خارج محل النزاع ليوهم القارئ موقفا متخيلا للخليفي، وادعى أن عبدالله الخليفي يخالف منهج أهل الحديث ولم يعرج على سبب ذلك ولا استشهد بأحد من المتقدمين استشهادا صحيحا، وكانت رسالته عقب ثناء الخليفي على كتابه المسمى “النشاط الأشعري المعاصر” إذ أغاضه ثناء الخليفي على جهده مما دعاه لكتابة رسالة يتبرأ فيها منه قائلا:
“ثناء الخليفي لا يسرني، ولا أفرح به، بل أزال بهجة الكتاب”،
محمد براء ياسين، منشور في صفحته على فيسبوك
وكان مما احتج به تبريرا لهذا قوله أن الخليفي يكفر من خالفه في صفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه وبعض من خالفه في مسائل توحيد الألوهية، ومحمد براء ياسين يعذر من خالفه في توحيد الله سبحانه وتعالى ولا يعذر الخليفي على طعنه بهم. يقول:
“فإن الانكار على الكذابين والمفترين والمحرفين والمتعالين ومحبي الظهور من أصولنا كما أن إعذار المتأولين من أصولنا”،
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
وهنا يعد التأويل في أسماء الله تبارك وتعالى وصفاته وتوحيد ألوهيته تأويلا معتبرا يبقى معه الاحترام والاجتهاد وفي مسائل تبديع المخالف الأشعري أو الحكم عليه بغير ذلك غير سائغ ولا يبقي سبيلا لأخوة الاعتقاد وذا مما يخبر عن أخلاقيات هذا الشخص.
بدا محمد براء ياسين الرسالة بتبديع الخليفي قائلا “ينتسب إلى السلفية زورا” وهذا لا يضر من لا يعنيه مثل هذا فالبحث الشرعي والردود لا تخلوا من حكم كما عهدنا السلف ولكنه يعترض على هذا الأصل ولا يتسق معه في من عاصره وهذا أول أشكال فهو يقول عن طلابه: “سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان” مشيرا لأنهم خوارج ولو قال كلاب النار ما زاد على ذلك الكثير.
أورد محمد براء ياسين إيراد الخليفي لكلام محمد براء ياسين في كتاب تناقضات الأشعرية:
“وكذلك كلمات الأئمة في تبديع أو تكفير من لم يقر أن الله فوق عرشه تصدق على الأشعرية” قائلا: “أنني قصدت بكلامي هذا شمول قول الأئمة بتبديع أو تكفير منكر العلو لله تعالى بذاته على خلقه لمقالة الجهمية الأوائل القائلين في كل مكان ولمقالة الأشعرية المنتشرة فيهم بعد أبي المعالي بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا يفهم مني أني أقول بمقالة الخليفي بتكفير كل إمام من أئمة الأشعرية…”،
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
وهنا قد قال محمد براء ياسين باستحياء انه يكفرهم نوعا لا عينا ولا يلزمه تعيين كل الأعيان وهذا المطلوب وقول الخليفي بكفر هؤلاء الأعيان من ضروب التكفير الاجتهادي وليس تنزيل قاعدة أخرى تخالف هذا المعنى ومن هنا يبدأ محمد براء ياسين بتدليس موقف الخليفي والتلاعب بالنصوص والتلميح لإبطالها بعد التدليس بالمصلحة وسنتطرق لذلك الآن.
قد أعترض محمد براء ياسين على إلزام الخليفي له بتكفير منكر المتواترات محمد رشيد رضا موردا إلزام الخليفي:
“ولو أدرك السلف محمد رشيد رضا لما كان إلا في منزلة الأصم أو المريسي لجرأته العظيمة على السنة. وقد قال حرب الكرماني في عقيدته عن الجهمية (من لم يكفرهم فهو منهم) فكيف بمن يرفض مجرد البراءة من واحد منهم اجتمع فيه من الضلالات ما يتنزه عنه عامة الجهمية، فإن الواقفة واللفظية لا يؤثر عنهم إنكار الأحاديث الصحيحة بل حتى بشر المريسي يقر أن رد الحديث كفر”.
تقويم المعاصرين1
قلت وهذا إلزام جيد ليس غرضه تكفيرك كما ستوهم القارئ بل إلزامك عدم موالاته على بدعته.
يرد محمد براء ياسين:
“قلت بما أن الخليفي ينزل قول الكرماني: (من لم يكفر الجهمية فهو منهم) على من لم يكفر رشيد رضا بل يعده أولى بهذه الكلمة من بشر المريسي والأصم فالسعدي وابن عثيمين والألباني ممن لا يكفرون محمد رشيد رضا بل يحترمونه ويعرفون له فضله ويقرون ديانته هؤلاء عند الخليفي من الجهمية الكفار لأنهم لا يكفرون الجهمي الكافر رشيد رضا -بحسب زعم الخليفي- و(من لم يكفر الجهمية فهو منهم) بحسب فهم الخليفي لكلام الكرماني وإن كع الخليفي عن التصريح بذلك؟”
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
هنا محمد براء ياسين يدلس مأزق مفتعل بإسقاط كلمة “كلهم” من قول حرب الكرماني في مسائله: “من لم يكفر هؤلاء القوم والجهمية كلهم فهو منهم” مما يعني أن من لم يكفر نوع الجهمية فهو منهم ومحمد براء ياسين نفسه يقر هذا باستحياء كي لا يشمله الحكم المجمع عليه فحرب حسب قول ابن تيمية (من ورثة الرسل) ويصنع بهذه المقارنة مغالطة بهلوانية: حرب قال هذا. العثيمين وغيره لم يلتزموا. يلزم ترك كلام حرب لأجلهم أو تكفيرهم. ثم يقول مستدركا -بحسب فهم الخليفي للقاعدة- ولكن الخليفي لا يفهمها بهذا الشكل ولا يقول ذلك بل يقول أن من لم يكفر نوعهم فقط تسقط عليه غير مرة وكما في رسالة الوجوه في إثبات الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة. فكيف يدعي محمد براء ياسين هذا؟ يقول: ولكن الخليفي يكع عن ذلك” لا يذهب إليه أو يتجنب قوله. اذن فالمسألة مسألة تكهن بالبواطن واحفظوا هذا فهو سيسند نقده بناءً على هذا الافتراض على طول الخط.
ثم يرفق محمد براء ياسين مديح السعدي والألباني على رشيد رضا وثنائهم على بعض أعماله ويقول:
“بما أن حقيقة قول الخليفي تنزيل كلام الكرماني على هؤلاء العلماء لعدم تكفيرهم لمحمد رشيد رضا فتنزيله على ابن تيمية أولى لأنه لا يكفر الأصم المعتزلي”.
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
من جديد ما حقيقة كلام الخليفي؟ إن كنت تريد أن ابن تيمية لم يكفر عينا وأن المعاصرين لم يفعلوا فهو يجعل الضابط لكلام حرب “كلهم” أي النوع كما تفعلون وفعل ابن تيمية والمعاصرون ومن خالف ذلك لا شك أن الحكم ينزل عليه ولا تسقط القاعدة لأجله كائنا من كان ولكنك لا تنفك عن المغالطة بأنه يقصد “من لم يكفر عينا” تكهنا بما في ذاته. فتجعل الاجتهاد في حكم عين بحكم كسر إجماع لا ينقضه إلا ضال إلزاما لمن لا يقول القول حتى يلتزم لازمك أصلا.
ثم يقول: “(والأصم هو الأصل المقيس عليه في قياس الخليفي الفاسد)” والخليفي لم يقس بما قلت ولا جعله الأصل بل ضربه مثالا مع بشر ولكنك ستتجاهل أمر بشر المريسي طبعا.
ثم أورد محمد براء ياسين نقلا مقطوعا لابن تيمية في المنهاج يقول فيه:
“وعبد الرحمن الأصم – وإن كان معتزليا – فإنه من فضلاء الناس وعلمائهم، وله تفسير. ومن تلاميذه إبراهيم بن إسماعيل بن علية، ولإبراهيم مناظرات في الفقه وأصوله مع الشافعي وغيره. وفي الجملة فهؤلاء من أذكياء الناس وأحدهم أذهانا، وإذا ضلوا في مسألة لم يلزم أن يضلوا في الأمور الظاهرة التي لا تخفى على الصبيان.”
منهاج السنة2
والدليل في تفكيك هذا الكلام هو العطف، على ماذا عطف ابن تيمية عبدالرحمن الأصم؟ يقول ابن تيمية في بداية النص:
“وقد حكي عن طائفة من النظار كعبد الرحمن بن كيسان الأصم وغيره أنهم أنكروا وجود الأعراض في الخارج، حتى أنكروا وجود الحركة. والأشبه – والله أعلم – أنه لم ينقل قولهم على وجهه، فإن هؤلاء أعقل من أن يقولوا ذلك وعبد الرحمن الأصم – وإن كان معتزليا -….” ثم يكمل بعد ما نقل فيقول “وهذا كما أن الأطباء وأهل الهندسة من أذكياء الناس، ولهم علوم صحيحة طبية وحسابية، وإن كان ضل منهم طوائف في الأمور الإلهية، فذلك لا يستلزم أن يضلوا في الأمور الواضحة في الطب والحساب.”
منهاج السنة3
إذن فهو يتكلم عن مسألة نسبت له وهي إنكار الأعراض والحركة في الخارج وقد قال لا تخفى على الصبيان فكيف تخفى على ذكي؟ وهذا تأدب من ابن تيمية فحتى الحيوان الأعجم يدرك الأعراض والحركة وإلا ما تفاعل مع العالم الخارجي فما وجه إدراج ذلك، والخليفي يذمه لتعطيله ذات الرب بل ابن تيمية يقول ضلوا في الأمور الإلهية كما زعم الخليفي بعده! غير أن محمد براء ياسين يستشهد بما لا شاهد فيه لمن يتكلف تكملة الكلام. أيعقل أن يعترض بمدحه له بمجرد المنطق والحساب ويقتطع ذمه في الإلهيات بعد سطرين؟.
ويقول محمد براء ياسين: “كما أنه (ابن تيمية) لا يكفر كبار علماء الأشاعرة بل يترحم عليهم” ويدرج كلام ابن تيمية:
“(وقد تأملت كلام أئمة هؤلاء الطوائف؛ كأبي الحسين البصري، ونحوه من المعتزلة، وكابن الهيصم من الكرامية، وكأبي الحسن نفسه، والقاضي أبي بكر، وأبي المعالي الجويني، وأبي إسحاق الاسفرايني، وأبي بكر ابن فورك، وأبي القاسم القشيري، وأبي الحسن التميمي، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وابن الزاغوني غفر الله لهم ورحمهم أجمعين)”4 ثم يقول: “فيلزم الخليفي عد ابن تيمية من الجهمية الكفار لأنه لا يكفر الجهمية الكفار (بحسب زعمه) و(من لم يكفر الجهمية فهو منهم) بحسب فهمه لكلام الكرماني).
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
يعيد افتراض موقف لا يقفه الخصم أصلا وهو فهم المقالة على أنها (من لم يكفر عينا) مع رشة ملح بقوله: “فيلزم الخليفي عد ابن تيمية من الجهمية الكفار لأنه لا يكفر الجهمية الكفار (بحسب زعمه)” وهذا معناه على أحسن تقدير أن الخليفي يزعم أن ابن تيمية لا يكفر نوع الجهمية فعليه البينة أين قال ذلك؟.
ثم إذا قدرنا قصده أن ابن تيمية لم يكفر نوعهم وأن الخليفي يفهمها بشكل عجيب لا ينضبط لي أن أعرفه من كلام محمد براء ياسين فوقتها يكون أعترض بباطل فيقول ابن تيمية: مصرحا:
والذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر، فإن كان ممن لم يبلغه العلم في ذلك، عرف ذلك، كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام، فإن أصر على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر.
مجموع الفتاوى5
ويورد ملمحا كلام ابن خزيمة في حكم منكر العلو في كتاب بيان تلبيس الجهمية (كتبه ردا على الأشعرية) وفي شرح حديث النزول وفي كتاب الأسماء والصفات وفي مجموع الفتاوى:
“حتى قال «محمد بن إسحاق بن خزيمة» : من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل ثم ألقي في مزبلة، لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الملة، ولا أهل الذمة.”
ابن تيمية6
ولو نظرنا في الأعيان وجدناه معلقا ذلك بمظنة توبتهم أصلا فيقول في النبوات من نفس موضع استشهاده:
“تأملت ما وجدته في الصفات من المقالات؛ مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني، وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري؛ وهو أجمع كتاب رأيته في هذا الفن، وقد ذكر فيه ما ذكر أنه مقالة أهل السنة والحديث، وأنه يختارها، وهي أقرب ما ذكره من المقالات إلى السنة”.
النبوات7
ولكن هل يذكر محمد براء ياسين حكم ابن تيمية على كلامهم؟ لا يفعل. يقول ملخصا في النبوات:
“ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد قولهم، لا في جهة صحة الدلالة؛ فقد يظهر بلسانه ما ليس في قلبه؛ كالمنافقين الذين يقولون: {نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}.
النبوات8
هل هذا الاحترام برأيك؟ اتهام صريح بالنفاق. ويكمل ناقلا قول أحمد:
“ولقد صدق الإمام أحمد في قوله: علماء الكلام زنادقة.”
النبوات9
فها هو زندقهم يا مدلس. وهل يلزم من ترحمه نفي هذا خصوصا بمظنة رجوعهم؟.
ثم يورد محمد براء ياسين اعتراضا قبيحا يخبرعن مكانة ابن تيمية وأمثاله عنده مقارنة بـ أئمته في الدين من الأشاعرة يقول: “
وقد كان عبدالله الخليفي قد كتب في مقال له بعنوان (الغرور المهلك) يرد به على إخوانه من الغلاة ممن يكفر ابن تيمية…”. لاحظ عزيزي القارئ ذبه عن ابن تيمية اتهام هنا!. “.., يقول الخليفي: (وبعضهم لما سئل عن سلفه في ما يقول في ابن تيمية أحال على السبكي! عفوا نريد سلفا نقول بإسلامه فلن تسمي أحدا مرضي الدين عندك إلا وهو معظم للشيخ فاتبع سبيل المؤمنين ودع عنك الغرور.)”
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
ثم يورد محمد براء ياسين نقولا غرضها مدح ابن تيمية للسبكي في مسائل الفقه باعتراض خارج محل النزاع. ليوهم أن الخليفي يكفر عليها وهو يفعل ذلك لعلة ما وقع فيه من التجهم والقبوريات ويرد كلامه باعتبار أنه كذب على ابن تيمية وفجر معه ومع طلابه أشد الفجور وسنذكر ذلك. يدرج محمد براء ياسين قول ابن تيمية:
“ولا ريب أن المقصرين في هذه المسألة معذورون لكونهم لم يجدوا فيها من النقل والبحث ما يصلون به إلى تحقيقها، لكن من رحمة الله ــ تعالى ــ أنهم ابتداء ظنهم أنهم يصلون إلى آخرها من قريب، وأن فيها نقولا وأدلة تشفيهم، فلما أمعنوا النظر والكشف و [البحث]، وطالت مدة النظر والمناظرة، وتبين لكل الناس منها ما لم يكن يعرفه = عرف ــ حينئذ ــ من عرف عجزه، وعرف العاقل عذر المقصر، وعرف أن من كمال الدين الذي بعث الله ــ سبحانه وتعالى ــ به رسوله – صلى الله عليه وسلم – اشتمال الشريعة على مثل هذه الحكم والأحكام التي تبين ما أنعم الله به من كمال دين الإسلام.”
تعليق الطلاق10
وهل هذا في ما يطعن الخليفي في دين السبكي عليه من القبوريات والتجهم؟ لا، هو في مسألة الطلاق واليمين والكفارة وليس المدح في الاجتهاد في مخالفة أسماء وصفات وقبوريات، وإلا أي بحث يمكن استنزاف طاقتك به بحيث لا تصل لعلو الله وهو من أظهر المسائل في الدين؟.
ولنعرج على بعض أخلاق السبكي مع ابن تيمية وابن القيم الذي ثار محمد براء ياسين له ثورة المحب المستهام:
“أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء- أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع “.
السبكي11
وقال عن ابن القيم:
“فهو الملحد لعنه الله، وما أوقحه، وما أكثر تجرؤه أخزاه الله”. ” … انتهى كلام هذا الملحد تبا له، وقطع الله دابر كلامه … “.
السبكي12
ثم قال محمد براء ياسين:
” وقد رد الأمام ابن عبدالهادي على السبكي في مسألة الزيارة، ورد ابن تيمية عليه في مسألة تعليق الطلاق، وكلاهما لم يكفراه في ردودهما لأنهما من أهل العلم والدين أما أهل المجادلة بالباطل ليدحضوا به الحق فشأن آخر”.
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
ما علاقة موضوع الطلاق بالتكفير؟ لنعرض كلام ابن عبدالهادي و”أدبه” الذي خالفه الخليفي بما أنه استشهد به. يقول في الصارم:
الصارم المنكي13
- “ولا يلتفت إلى كثافة طبع الجهمي وغلظ قلبه ورقة إيمانه ومبادرته على تكذيب ما لم يحط به.”
- “فانظر إلى جرأة هذا المعترض وإقدامه على تكذيب ما لم يحط بعلمه بغير برهان ولا حجة، بمجرد الهوى والتخرص، وليس هذا ببدع منه، فإنه قد عرف منه مثل ذلك”.
- “فقول المعترض هذا لم يثبت عندنا بعد اطلاعه على إسناده ووقوفه عليه يقينا يدل على أنه في غاية الجهالة، ونهاية العناد واتباع الهوى.”
- “يقال لهذا المعترض وأشباهه من عباد القبور”.
فنعقب على قوله الكذب وتورعه الزائف: “وكلاهما لم يكفراه في ردودهما لأنهما من أهل العلم والدين أما أهل المجادلة بالباطل ليدحضوا به الحق فشأن آخر” وهل يتوهم عاقل أني اذا قلت فلان عبد قبور أني لا أكفره؟ ولكن محمد براء ياسين له رأي آخر تجاه إمامه في الدين قد خالف هذا ويبدو أن ابن عبدالهادي من المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، حق عبد القبر إمامه.
ثم يكمل محمد براء ياسين محتجا أن ابن تيمية فضل كبار أئمتهم وفضل كتبهم في نقض كلام الزنادقة مما أجادوا فيه وفاضلهم على الفلاسفة وأضرابهم مما لا عجب فيه والعجب أن يستدل بمثل هذا على جعلهم مجتهدين في مسائل الاعتقاد ومن قرائن أن الجهة منفكة في مثل هذا قوله على “اجتهاداتهم” الأخرى في الرد على المنطقيين:
“فليس لأحد أن يتكلم بلا علم بل يحذر ممن يتكلم في الشرعيات بلا علم وفي العقليات بلا علم فإن قوما أرادوا بزعمهم نصر الشرع بعقولهم الناقصة وأقيستهم الفاسدة فكان ما فعلوه مما جرّأ الملحدين أعداء الدين عليه فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه كسروا.”
الرد على المنطقيين14
وقال في خلاصة رده على الباقلاني وأبو حامد وأضرابهم في النبوات متعضدا بكلام أحمد بن حنبل:
“فهؤلاء أهل البدع من أهل الكلام وغيرهم، كما قال: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مفارقة الكتاب. وتصديق ما ذكره: أنك لا تجد طائفة منهم توافق الكتاب والسنة فيما جعلوه أصول دينهم. بل [لكل] طائفة أصول دين لهم؛ فهي أصول دينهم الذي هم عليه، ليس هي أصول الدين الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه. وما هم عليه من الدين، ليس كله موافقا للرسول، ولا كله مخالفا له؛ بل بعضه موافق، وبعضه مخالف؛ بمنزلة أهل الكتاب الذين لبسوا الحق بالباطل.”
النبوات15
ومن أنصف أدرك أن ما يسوقه هذا الشخص حكم منقوص لا يفيد في حل أصل النزاع. بل ولا أن موقف ابن تيمية نفس موقفه، بل حتى لو نظرنا لوجدنا بطبيعة الحال كلام السلف أشد من كلام ابن تيمية. ومن تمعن في كلام من عاصر ابن تيمية وطلابه أدرك أنهم لا شك مطوق عليهم في دين الله ولم يمنعهم ذلك من قول مثل هذا وإن لم يعمدوا للألفاظ المطلقة مثل فعل السلف ومما يخبرك عن سفالة مخالفيهم قول السبكي عن الذهبي استهزاءً:
“ثم رأيت شيخنا الذهبي حكى كلام ابن السمعاني الذي حكيته ثم قال قلت أولها
محاسن جسمي بدلت بالمعايب … وشيب فودي شوب وصل الحبائب
ومنها: عقائدهم أن الإله بذاته … على عرشه مع علمه بالغوائب
ومنها: ففي كرج الله من خوف أهلها … يذوب بها البدعي يا شر ذائب
يموت ولا يقوى لإظهار بدعة … مخافة حز الرأس من كل جانب
انتهى ما حكاه الذهبي.
وكان يتمنى فيما أعرفه منه أن يحكى الأبيات الأخرى ذات الطامات الكبرى التي سأذكرها لك ولكن يخشى صولة الشافعية وسيف السنة المحمدية.”
السبكي16
ولك أن تتأمل هذا التضييق والتهديد الصريح بالقضاء على أهل السنة الذي سار محمد براء ياسين مساره بتهديداته وتعلم من مثاله.
ثم عقب محمد براء ياسين:
“والمقصود أن الشيخ يرد على هؤلاء العلماء، الأشعري والباقلاني الخ، لكن دون أن يتحامل عليهم، ودون أن يكفرهم ودون أن يطعن في نواياهم.”
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
وهذا آخر من يجب أن يقول مثل هذا وقد كتب الرسالة على زعمه الاطلاع على نوايا مخالفه ثم إلزامه بناءً على ذلك ببجاحة. ولعمري بعد كل ما ذكر إن كنت لا ترى ما أوردته لك من كلامهم تحاملا فأي محمل لك على الخليفي بعد ذلك؟.
ثم شرع كعادته يهذرم فيما لا دخل له في أصل النزاع:
“فطالب العلم يعرف في كلام السلف والأئمة من تقبل روايته من المبتدعة ومن لا تقبل، وكلام الأئمة في الفقه في كتاب القضاء من تقبل شهادته ومن لا تقبل”.
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
ويقال له: هلا تكلمت في موضوع النزاع؟. ها هو كل من سلك نهج السلف في الحكم عليهم يستشهد بهم ويورد رواياتهم إن عرفوا بالصدق مع الإقرار ببدعتهم فأي تدليس تريد أن توهم القارئ عليه؟ لا أحد يقع في هذا الاعتراض البليد، الحكم على الشخص منفصل عن الاستشهاد به في غير مواطن النزاع وإنما يترك ردعا له إذا لم يكن من تركه ضير. وهذا وأمثاله يحاولون تمويه مقال المخالف ليبغضه الناس إطلاقا بلا اعتبار لحقيقة مقاله نفسه.
ثم يشرع محمد براء ياسين بنقل مديح أهل العلم لابن تيمية عقب الموضع الذي أنبه فيه لدفاعه عنه وعقب نسبته لمن يطعن فيه كله ادعاءً لإبطان قول يعتقد أنه يجب أن يقوله، فيا للعجب من هذه الألعاب النفسية يورد المدح ليوهم أن المقابل يتلبس موقف القدح!.
يقول محمد براء ياسين:
“واعلم أن مخالفة الشعار للواقع مما يستدل به على فساد الدعوى”.
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
جميل أرنا مثالا.
“لذا من يرفع شعار “أهل الحديث” ثم نجد حقيقة حاله الدعوة إلى تكفير الأئمة كأبي حنيفة وغيره من علماء الإسلام كالجويني والغزالي والنووي والعز بن عبدالسلام وابن دقيق العيد وابن حجر… فمثل هذا شعاره في واد وواقعه في آخر.”
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
دعواه أنه يكفر أبا فلان من ضروب الدخول في النوايا المعتادة فإذا كان ينفيها بنفسه فيكفي ذلك وندع فجور الكاتب لنفسه ولا أثر لحقيقة الأمر على المبحث. ومن العجائب أنه ابتدأ بـ “يزعم نصرة “أهل الحديث”” ثم عاب كذب الشعار بهجومه على أعدائهم! على من تدلس؟ تعالوا نحلل عقلية هذا الإنسان:
غيث ينتسب لأهل الحديث. ينتقد أهل الرأي لأنهم أعداء أهل الحديث. جاء همام وقال لـغيث لو كنت صادقا في حب أهل الحديث ما انتقدت أهل الرأي.
فكلام همام يتصور صحته في حالتين:
- إنتفاء العداوة بين أهل الحديث وأهل الرأي.
- صحة دعوى محبة الحبيب ملزمة للسكوت عن عدوه.
وكلاهما باطل.
“وأما أصحاب الرأي والقياس فأنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وكذب أصحاب الرأي أعداء الله، بل هم النابتة تركوا أثر الرسول وحديثه وقالوا بالرأي، وقاسوا الدين بالاستحسان، وحكموا بخلاف الكتاب والسنة، وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال طلاب دنيا بالكذب والبهتان.”
حرب الكرماني17
فإن كانوا مخالفين للكتاب والسنة فأين وجه مخالفة الشعار للواقع في معاداتهم؟، واحتجاجك بأعمالهم التي مع وجود ما يبطل أجرها من مخالفة ظاهرة للتوحيد وأنهم حسب سوء تعبيرك “حماة الشريعة” وتعضدك بكلاممن قال: “شهود الشرع فإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود له” احتجاجهم أن الإسلام لم ينقل إلا من طريقهم وأنت وأمثالك عون في تسليك هذا لهم.
ثم يورد محمد براء ياسين قول الخليفي:
“(ويحتج برواية عن محمد بن الحسن الشيباني وما علم انه جهمي كذاب عند السلف)” ثم عقب محمد براء ياسين: “الإمام محمد بن الحسن الشيباني أثنى عليه الشافعي ثناءً كبيرا وأثنى عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، فلا ينسب الطعن فيه إلى جنس السلف إلا كذاب مثل صاحب الكلام.”
البراءة من فكر عبدالله الخليفي
وهل يراد يا محمد براء ياسين بمن قال فعل العرب كذا كل عربي؟ بل أنه شائع في جنسهم، والشيوع يكفي لتصح النسبة. ولكن دعنا من هذا بما أن الكذب يغضبك لم كذبت على الشافعي؟
“كنت مع «محمد بن الحسن» بالرقّة، فمرضت مرضة فعادني في العوّاد، فلما نقهت من مرضى مددت يدي إلى كتبٍ عند رأسي، فوقع في يدي «كتاب الصلاة لمالك» فنظرت في باب الكسوف. فقال: قد عرفت قولنا فيه. فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر. فقال: هات.
قلت: أشترط ألا تحتدّ عليّ ولا تقلق – وكان محمد رجلا قلقاً حديداً –فقال: أما أن لا أحتد فلا أشترط ذلك. ولكن لا يضرك ذاك عندي. فناظرته، فلما ضَاغَطْتُهُ فكأنه وجد من ذلك. فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه، عن «عائشة». وزيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن «ابن عباس». واجتمع عليّ وعليه الناس.
فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبي وامرأة؟!
فقلت: لو غيري جالسك! وقمت عنه بالغضب. فَرُفِع الخبر إلى هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقال: قد علمتُ أن الله، عز وجل، لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشياً فلقا يردّ عليهم ما هم فيه من الضّلالة. ثم رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد عَلَى رواحِلِكَ. واجعل الليل جَمَلاً. قال: فقدمت مصر.”
مناقب الشافعي18
وفي رواية قال “قد ذهب ما كان في قلبي له من التعظيم.
فما الذي حضك على تجاهل هذا التغير في موقف الشافعي أيها المدلس؟.
ويكفي ما نقله أوثق الحفاظ محمد بن اسماعيل البخاري في خلق أفعال العباد:
“وحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عنِ الجَهْمِيَّةِ وقالَ: «مَن زَعَمَ أنَّ الرَّحْمَنَ عَلى العَرْشِ اسْتَوى عَلى خِلافِ ما يَقِرُّ فِي قُلُوبِ العامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، ومُحَمَّدٌ الشَّيْبانِيُّ جَهْمِيٌّ»”
البخاري19
فعلام التحامل على من لم يزد على أخذ قول من هم أشرف من من تترس بهم؟.
ثم بعد هذا تطرق لقضية مدح واستشهد بمن لا قيمة لرأيه أمام مقام الجارحين وأورد شخصنات وخلط كثير من اتهام بسلوك مسلك الرافضة وأمثال هذه الدعاوي التي لا تخرج إلا ممن يستحل التصنيف بغير حق وختم الرسالة بنص من إمامه التاج السبكي
“وأما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم”
السبكي20
ولا أدري ماذا حل بعقله ليختمها بمثل هذا؟ هل يريد أن ذم “عدوه” لأئمته الذين تعصب وفجر لأجلهم كان في الفروع؟ كعلو الله وإثبات صفاته والتجهم في الإيمان وما شابه؟ هل يريد أن هذه فرعيات أم يحب أن يسوق القارئ لاعتقاد مثل ذلك؟.
وختاما نسأل الله له الشفاء فقد مررت بحسابه من فترة عرضا ووجدته ما زال يتكلم في الأمر وهذا حثني على كتابة هذا الرد وعهدي أن حادثة مدح كتابه من سنتين!.
المصادر
- تقويم المعاصرين ( الحلقة التاسعة ) [ الجزء الثاني ]، موقع عبدالله بن فهد الخليفي ↩︎
- (منهاج السنة) (2 / 571 -571). ↩︎
- نفس المصدر رقم: 2 ↩︎
- النبوات، ابن تيمية، عبد العزيز بن صالح الطويان، ج2، ص130 ↩︎
- مجموع الفتاوى 6/486 ↩︎
- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية
ابن تيمية، ج1، ص102 ↩︎ - نفس المصدر رقم: 4 ↩︎
- النبوات، ابن تيمية، عبد العزيز بن صالح الطويان، ج2، ص807 ↩︎
- نفس المصدر رقم: 9 ↩︎
- الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق، ج1، ص63 ↩︎
- الدرة المضية في الرد على ابن تيمية، السبكي ↩︎
- السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ↩︎
- لصارم المنكي في الرد على السبكي (عدة مواضع) ↩︎
- الرد على المنطقيين، ابن تيمية ص 274 ↩︎
- النبوات، ابن تيمية، عبد العزيز بن صالح الطويان، ج1، ص562 ↩︎
- طبقات الشافعية 6/141 ↩︎
- مسائل حرب الكرماني من كتاب النكاح إلى نهاية الكتاب – ت فايز حابس، ج3، ص986 ↩︎
- كتاب مناقب الشافعي للبيهقي، ج1، 191 ↩︎
- خلق أفعال العباد – البخاري – الصفحة ١٥ ↩︎
- السبكي في مفيد النعم ومبيد النقم ↩︎