ابن تيمية: ابن الوكيل متناقض فتان

جريدة سلف غراف

ظاهرة ابن الوكيل لا زالت حاضرة!

يسمِّي النصارى ظاهرة فساد رجل الدين المالي (السيمونية) نسبة إلى سيمون الساحر أول من صدر منه هذا في تاريخ النصارى.

وأحسب أننا اليوم أمام ظاهرة مقاربة وهي ظاهرة (الوكيلية) أو ظاهرة (ابن الوكيل).

حين كتب ابن تيمية العقيدة الواسطية أقام له أشاعرة عصره مجلس محاكمة، واجتمعوا عليه من مذاهب فقهية مختلفة يناظرونه ويحقِّقون معه.

وكان من ضمنهم رجل شافعي يقال له (ابن الوكيل)، هذا الرجل لم يعقد قلبه تمامًا على عقيدة الأشعرية، وإنما كان دافعه بغض الشيخ لاعتبارات الله أعلم بها.

فجاءه الشيخ بخطه وهو يحكم على عقيدة من عقائد الأشاعرة بالكفر، وكأنَّ الشيخ يقول له: أنت تُظهِر هنا وِفاقَهم وأنت في حقيقتك تراهم واقعين في الكفر.

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (٣/ ١٧٢-١٧٣):

“وقلت في ضمن الكلام لصدر الدين بن الوكيل -لبيان كثرة تناقضه وأنه لا يستقر على مقالة واحدة وإنما يسعى في الفتن والتفريق بين المسلمين- عندي عقيدة للشيخ أبي البيان. فيها أن من قال: إن حرفا من القرآن مخلوق فقد كفر. وقد كتبت عليها بخطك أن هذا مذهب الشافعي وأئمة أصحابه وأنك تدين الله بها. فاعترَف بذلك، فأنكر عليه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ذلك. فقال ابن الوكيل: هذا نص الشافعي. وراجعه في ذلك مرارًا. فلما اجتمعنا في المجلس الثاني: ذكر لابن الوكيل أن ابن درباس نقل في كتاب الانتصار عن الشافعي مثل ما نقلت فلما كان في المجلس الثالث: أعاد ابن الوكيل الكلام في ذلك. فقال الشيخ كمال الدين لصدر الدين بن الوكيل: قد قلت في ذلك المجلس للشيخ تقي الدين: أنه من قال إن حرفًا من القرآن مخلوق فهو كافر، فأعاده مرارًا، فغضب هنا الشيخ كمال الدين غضبا شديدًا ورفع صوته. وقال: هذا يكفر أصحابنا المتكلمين الأشعرية الذين يقولون: إن حروف القرآن مخلوقة مثل إمام الحرمين وغيره وما نصبر على تكفير أصحابنا. فأنكر ابن الوكيل أنه قال ذلك. وقال: ما قلت ذلك، وإنما قلت أن من أنكر حرفًا من القرآن فقد كفر. فرد ذلك عليه الحاضرون وقالوا: ما قلت إلا كذا وكذا وقالوا: ما ينبغي لك أن تقول قولًا وترجع عنه. وقال بعضهم: ما قال هذا. فلما حرفوا: قال ما سمعناه قال هذا، حتى قال نائب السلطان: واحد يكذب وآخر يشهد والشيخ كمال الدين مغضب. فالتفت إلى قاضي القضاة نجم الدين الشافعي يستصرخه للانتصار على ابن الوكيل حيث كفر أصحابه”.

خلاصة هذا الحدث أن ابن تيمية جاء بخط ابن الوكيل وهو يقول بتكفير القائل بخلق القرآن، ففطن لهذا الأشاعرة الذين معه وغضبوا وقالوا له: هذا يعني تكفير أئمتنا الذين يقولون حروف القرآن مخلوقة.

فنكل ابن الوكيل وزعم أنه ما قاله، ولكن شهد عليه آخرون أنه قاله.

ابن الوكيل مثال للشخص الذي يتملَّق المخالفين العقائديين لينال دنيا ولكي يفرِّغ ما في قلبه على موافق عقدي بالجملة، بل ربما غيَّر عقيدته لأجل ذلك.

ويشبهه اليوم المنتسب للسنة الذي يقول بتكفير القائلين بخلق القرآن، ويقول بتكفير منكر العلو، ويقول بتكفير من يقول بقول جهم في الإيمان، ويعتبر الاستغاثة بغير الله شركًا..

ثم هو يأتي لأناس واقعين في كل هذا أو بعضه ويتملقهم ويمتحن الناس بإسلامهم، هم أنفسهم لن يقتنعوا بكلامه كما لم يقتنع أولئك الأشعرية بكلام ابن الوكيل، لأنك حتى لو زعمت أن أئمتهم معذورون فأنت في النهاية تراهم وقعوا في الكفر الأكبر، والتفريق بين الإطلاق والتعيين يعني استثناء بعض الأفراد لا إلغاء الحكم، فالخلاف بينك وبين من يكفرهم كلهم ليس في أصل الحكم وإنما في طرده في كل الأفراد، وهذا الخلاف أقرب من خلاف الناس في تارك الصلاة والطائفة الممتنعة وغيرها، لأن الخلاف هنا في أصل الحكم: هل هذا الفعل كفر أم ليس كفرًا وهو معصية فحسب، بخلاف النزاع في مقالات الجهمية فالكل متفق على أنها كفر أكبر وإنما وقع النزاع في طرد ذلك في كل الأعيان، ولا تخرج من هذا المأزق حتى تتبرَّأ من سلفيتك التي تزعم.

خصوصًا وأن عذر من خالف القرآن والسنة والفطرة والإجماع والعقل كما تزعم في مسألة العلو أقرب منه بكثير عذر من خالفك في الحكم عليه، وهذا أوضح من أن يُوضَّح.

وتأمل كيف أن الأشاعرة في زمن ابن تيمية يدركون تمام الإدراك أن كلام الأئمة في تكفير من يقول بخلق القرآن ينطبق على كبرائهم.

ويؤكد ذلك ما قال ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمة المزي: “وأوذي مرة في سنة ٧٠٥ بسبب ابن تيمية، لأنه لما وقعت المناظرة له مع الشافعية وبحث مع الصفي الهندي ثم ابن الزملكاني بالقصر الأبلق، شرع المزي يقرأ كتاب خلق أفعال العباد للبخاري، وفيه فصل في الرد على الجهمية، فغضب بعض وقالوا نحن المقصودون بهذا”.

تأمَّل قولهم “نحن المقصودون بهذا” وكتاب البخاري إنما فيه الإنكار على من يقول بخلق القرآن وإنكار العلو والتصريح بتجهيمه وتكفيره.

عبدالله الخليفي

وقلت في ضمن الكلام لابن الوكيل -لبيان كثرة تناقضه وأنه لا يستقر على مقالة واحدة وإنما يسعى في الفتن والتفريق بين المسلمين- عندي عقيدة للشيخ أبي البيان. فيها أن من قال: إن حرفا من القرآن مخلوق فقد كفر. وقد كتبت عليها بخطك أن هذا مذهب الشافعي وأئمة أصحابه وأنك تدين الله بها. فاعترَف بذلك، فأنكر عليه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ذلك. فقال ابن الوكيل: هذا نص الشافعي. وراجعه في ذلك مرارًا. فلما اجتمعنا في المجلس الثاني: ذكر لابن الوكيل أن ابن درباس نقل في كتاب الانتصار عن الشافعي مثل ما نقلت فلما كان في المجلس الثالث: أعاد ابن الوكيل الكلام في ذلك. فقال الشيخ كمال الدين لابن الوكيل: قد قلت في ذلك المجلس للشيخ تقي الدين: أنه من قال إن حرفًا من القرآن مخلوق فهو كافر، فأعاده مرارًا، فغضب هنا الشيخ كمال الدين غضبا شديدًا ورفع صوته. وقال: هذا يكفر أصحابنا المتكلمين الأشعرية الذين يقولون: إن حروف القرآن مخلوقة مثل إمام الحرمين وغيره وما نصبر على تكفير أصحابنا. فأنكر ابن الوكيل أنه قال ذلك